فصل: السنة الثالثة من ولاية أبي عون الثانية على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الثالثة من ولاية أبي عون الثانية على مصر

وهي سنة أربعين ومائة فيها بنى المصيصة جبريل بن يحيى وسكنها الناس‏.‏

وفيها ثار جمع من جند خراسان على أميرها أبي داود خالد بن إبراهيم ليلًا حتى وصلوا إلى داره فأشرف عليهم وجعل ينادي أصحابه فانكسرت به آجرة فوقع من أعلى داره فانكسر ظهره ومات من الغد فبعث الخليفة أبو جعفر المنصور على إمرة خراسان عوضه عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي‏.‏

فسار المذكور وقبض على جماعة من أهل خراسان وقتلهم‏.‏

وفيها توجه الأمير عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد العباسي ابن أخي الخليفة أبي جعفر المنصور إلى ملطية فأقام بها سنة حتى بناها ورم شعثها وأسكنها الناس‏.‏

وفيها حج بالناس الخليفة أبو جعفر المنصور‏.‏

وعاد من الحج فزار بيت المقدس وسلك الشأم في طريقه ونزل الرقة فقتل بها منصور بن جعفر العامري‏.‏

ثم سار إلى الهاشمية وهي مدينة بناء مدينة بغداد وذكر الذهبي بناء بغداد في سنة خمس وأربعين ومائة قال‏:‏ وفي هذه السنة أسست مدينة السلام بغداد وهي التي تدعى مدينة المنصور سار المنصور يطلب موضعًا يتخذه بلدًا فبات ليلةً موضع القصر فطاب له المبيت ولم ير إلا ما يحب فقال‏:‏ ها هنا ابنوا فإنه طيب ويأتيه مادة الفرات ودجلة والأنهار فخط بغداد ووضع أول لبنة بيده وقال‏:‏ ‏"‏ بسم الله وبالله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ابنوا على بركة الله ‏"‏ وسأل راهبًا هناك عن أمر الأرض وصحتها وقال‏:‏ هل تجدون في كتابكم أن تبنى ها هنا مدينة قال‏:‏ نعم يبنيها مقلاص قال‏:‏ فأنا كنت أدعى بذلك‏.‏

وطلب المنصور الصناع والفعلة من البلاد وأحضر المهندسين والحكماء والعلماء وكان فيمن أحضر حجاج بن أرطاة وأبو حنيفة ورسمت له بالرماد‏:‏ سورها وأبوابها وأسواقها ثم بنيت حتى كمل المهم منها في عام والباقي في أربع سنين وكانت بقعة بغداد مزرعة تدعى المباركة لستين نفسًا عوضهم المنصور عنها وأرضاهم وقيل‏:‏ إنه ليس في الدنيا مدينة مدورة سواها وعمل في وسطها دار المملكة بحيث إنه إذا كان في قصره كان جميع أطراف البلد إليه سواء وسكنها المنصور ونقل إليها خزائنه‏.‏

وقيل سعتها مائة وثلاثون جريبًا‏.‏

وأنفق عليها مائة ألف ألف درهم‏.‏

وقالي بدر المعتضدي قال لنا أمير المؤمنين‏:‏ انظروا كم سعة مدينة المنصور فحسبنا فإذا هي ميلان مكسران في ميلين وقيل‏:‏ مسافة ما بين كل باب وباب ألف ومائتا ذراع وكلها مبنية بالآجر واللبن واللبنة ذراع في ذراع وزنتها مائة رطل وسبعة عشر رطلًا‏.‏

ولها أربعة أبواب بين الباب والباب ثمانية وعشرون برجًا وعليها سوران ثم بنى الجامع والقصر وفي صدر القصر القبة الخضراء ارتفاعها ثمانون ذراعًا ودامت حتى سقط رأسها في ليلة مطر ورعد في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وكان لا يدخل هذه المدينة أحد راكبًا سوى المنصور وابنه محمد المهدي‏.‏

وقال الصولي‏:‏ قال أحمد بن أبي طاهر‏:‏ ذرع بغداد - يعني الجديدة - ذرع الجانبين ثلاثة وخمسون ألف جريب وفي نسخة أخرى غير رواية الصولي‏:‏ أنها من الجانبين ثلاثة وأربعون ألف جريب وسبعمائة قال الصولي‏:‏ وذكر ابن أبي طاهر‏:‏ أن عدد حماماتها كانت ذلك الوقت ستين ألفًا وقال‏:‏ أقل ما يدير كل حمام خمسة أنفس وذكر أن بإزاء كل حمام خمسة مساجد‏.‏

قال الذهبي‏:‏ وكذا نقل الخطيب في تاريخه وما أعتقد أنا هذا قط ولا عشر ذلك ثم قال الخطيب‏:‏ حدثني هلال بن المحسن قال‏:‏ كنت بحضرة جدي إبراهيم بن هلال الصابي فقال تاجر‏:‏ يذكر أن ببغداد اليوم ثلاثة آلاف حمام فقال جدي‏:‏ سبحان الله‏!‏ هذا سدس ما كنا عددناه وحصرناه زمن الوزير المهلبي ثم كانت في دولة عضد الدولة بن بويه خمسة آلاف‏.‏

ونقل ابن خلكان أن استكمال بغداد كان في سنة تسع وأربعين ومائة وهي بغداد القديمة التي بالجانب الغربي على دجلة‏.‏

وبغداد اليوم هي الجديدة بالجانب الشرقي وفيها دار الخلافة‏.‏

انتهى كلام الذهبي وغيره باختصار‏.‏

وقد خرجنا عن المقصود في هذا الكتاب لكثرة الفوائد‏.‏

وفيها توفي منصور بن جعونة بن الحارث بن خالد العامري‏.‏

كان ممن خرج على بني العباس وامتنع عن بيعتهم‏.‏

وذكر الذهبي وفاة جماعة في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أيوب أبو العلاء القصاب وداود بن أبي هند في أولها وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج وسهيل بن أبي صالح وسعد بن إسحاق بن كعب وصالح بن كيسان وعروة بن رويم‏.‏

وقيل‏:‏ وفيها توفي عمارة بن غزية الأنصاري وعمرو بن قيس السكوني الحمصي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا ونصف‏.‏

على مصر هو موسى بن كعب الأمير أبو عيينة التميمي أحد نقباء بني العباس‏.‏

ولاه الخليفة أبو جعفر المنصور على إمرة مصر بعد عزل أبي عون فدخل مصر لأربع عشرة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائة‏.‏

وسماه صاحب البغية موسى بن كعب بن عيينة‏.‏

قلت‏:‏ وولي على صلاة مصر وخراجها معًا ونزل العسكر المقدم ذكره وسكنه وجعل على شرطته عكرمة بن عبد الله بن قحزم وباشر أمر مصر بحرمة وافرة ونهى الجند أن يتوجهوا إليه أو يتكلموا معه إلا في أمر مهم ولا يفعلوا به كما كانوا يفعلون بالأمراء من قبله فانتهوا عنه حتى إنه لم يمكن أحدًا أن يجتاز ببابه إلا من له عنده حاجة أو أذن له في ذلك‏.‏

وموسى هذا هو أول من بايع أبا العباس السفاح بالخلافة في مبدأ أمره وأخرجه إلى الناس وكان هو القائم بأمر بني العباس مع أبي مسلم الخراساني وكان موسى هذا يسافر إلى البلاد ويدعو الناس للقيام مع بني العباس حتى قبض عليه أسد بن عبد الله القسري عامل خراسان يوم ذاك لبني أمية فأمر به أسد فألجم بلجام وكسرت أسنانه وعوقب ثم أطلق بعد شدائد فلما صار الأمر إلى بني العباس أمالوا الدنيا عليه وكان قاسى الأهوال بسبب دعوتهم وعذب وحبس كما سيأتي ذكره وكان يقول لما ولي مصر‏:‏ كانت لنا أسنان وليس عندنا خبز فلما جاء الخبز شرطته ثم ولاه مصر مكرهًا وأضاف له السند فلم تطل مدته على إمرة مصر وعزله أبو جعفر المنصور في ذي القعدة كما سيأتي ذكره بمحمد بن الأشعث وكتب إليه المنصور‏:‏ إني عزلتك عن غير سخط ولكن بلغني أن عاملًا يقتل بمصر يقال له موسى فكرهت أن تكونه فأخذ موسى كلام المنصور لغرض من الأغراض‏.‏

فقتل بعد ذلك بسنين موسى بن مصعب في خلافة محمد المهدي كما سيأتي ذكره إن شاء الله‏.‏

ولما صرف موسى بن كعب عن إمرة مصر استخلف على الجند خالد بن حبيب وعلى الخراج نوفل بن الفرات‏.‏

وخرج موسى هذا من مصر لست بقين من ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ومائة وكانت ولايته على مصر سبعة أشهر وأيامًا ولما خرج من مصر سار حتى قدم على الخليفة أبي جعفر المنصور فأكرم الخليفة نزله وولاه على الشرطة ثانيًا ومات بعد مدة يسيرة وقيل‏:‏ إنه توجه مريضًا فمات في أثناء قدومه ولم يل الشرطة ولا غيرها وعلى القولين فأنه مات في هذه السنة رحمه الله تعالى‏.‏

وأما أمر موسى هذا مع أسد وكان ذلك في سنة سبع عشرة ومائة فإنه كان خرج هو وسليمان بن كثير ومالك بن الهيثم ولا هز بن قريظ وخالد بن إبراهيم وطلحة بن زريق فدعوا الناس لبني العباس فظهر أمرهم فقبض عليهم أسد بن عبد الله وقال لهم‏:‏ يا فسقة ألم يقل الله تعالى‏:‏ ‏"‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ‏"‏ فقال له سليمان بن كثير‏:‏ نحن والله كما قال الشاعر‏:‏ الرمل لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغضان بالماء اعتصاري صيدت والله العقارب بيديك‏.‏

إنا أناس من قومك وإن المضرية رفعوا إليك هذا لأننا كنا أشذ الناس على قتيبة بن مسلم فطلبوا بثأرهم‏.‏

فحبسهم وأطلق من كان معهم من أهل اليمن لأنه كان منهم وأراد قتل من كان من مضر فدعا موسى بن كعب هذا وألجمه بلجام حمار وجذب اللجام فتحطمت أسنانه ودق وجهه وأنفه ثم دعا لاهز بن قريظ وضربه ثلاثمائة سوط ‏.‏

السنة التي حكم فيها موسى بن كعب على مصر وهي سنة إحدى وأربعين ومائة‏.‏

فيها كان عزله وولايته‏.‏

وفيها كانت وقعة الراوندية ببغداد وهم قوم من خراسان على رأي أبي مسلم الخراساني يقولون بتناسخ الأرواح فيزعمون أن روح آدم عليه السلام حلت في عثمان بن نهيك وأن المتصور هو ربهم وأن الهيثم بن معاوية هو جبريل وأتوا قصر المنصور وجعلوا يطوفون به فقبض المنصور على مائتين منهم وحبسهم فغضب الباقون فعمدوا إلى نعش فارغ وحملوه يزعمون أنها جنازة ومروا بها على باب السجن فشدوا على أهل السجن بالسلاح حتى فتحوا باب السجن وأخرجوا أصحابهم وقصدوا المنصور‏.‏

فخرج إليهم المنصور على غفلة فكانت بينهم وقعة كاد المنصور أن يقتل فيها وقتل عثمان بن نهيك بسهم ثم وضع المنصور فيهم السيف‏.‏

وفيها عزل الخليفة أبو جعفر المنصور زياد بن عبيد الله الحارثي عن مكة والمدينة والطائف وولى محمد بن خالد بن عبد الله القسري المدينة وولى الهيثم بن معاوية مكة والطائف‏.‏

وفيها توفي موسى بن عقبة بن أبي عياش المدني أبو محمد صاحب المغازي مولى أل الزبير بن العوام ومغازيه في مجلد صغير‏.‏

أدرك سهل بن سعد وحدث عن أم خالد بنت خالد وعن عروة وكريب وأبي سلمة بن عبد الرحمن والأعرج وحمزة بن عبد الله بن عمرو الزهري وخلقٍ وحدث عنه ابن جريج والأمام مالك وعبد الله بن المبارك وابن عيينة وغيرهم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وخمسة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وثمانية أصابع‏.‏

على مصر هو محمد بن الأشعث بن عقبة بن أهبان الخزاعي أمير مصر‏.‏

وليها من قبل المنصور بعد عزل موسى بن كعب التميمي‏.‏

ولاه أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور على الصلاة والخراج معًا‏.‏

وقدم مصر في يوم الاثنين خامس في الحجة من سنة إحدى وأربعين ومائة وولى على شرطته المهاجر بن عثمان الخزاعي ثم عزله وجعل عوضه محمد بن معاوية بن بحير بن ريسان الكلاعي مكانه‏.‏

ولما استقر محمد بن الأشعث هذا في إمرة مصر أرسل الخليفة أبو جعفر المنصور إلى نوفل بن الفرات‏:‏ أن اعرض على محمد بن الأشعث ضمان خراج مصر فإن ضمنه فأشهد عليه وأشخص إلي الشهادة وإن أبى فكن أنت على الخراج عادتك فعرض نوفل على ابن الأشعث هذا الكلام فأبى من الضمان فانتقل نوفل إلى الدواوين ففقد محمد بن الأشعث من عنده فسأل عنهم فقيل له‏:‏ هم عند صاحب الدواوين فندم ابن الأشعث على ما وقع منه من ترك الخراج‏.‏

ثم جهز ابن الأشعث جيشًا بعث به إلى المغرب فانهزم الجيش وخرج ابن الأشعث يوم الأضحى سنة اثنتين وأربعين ومائة وتوجه إلى الإسكندرية واستخلف محمد بن معاوية صاحب شرطته على الصلاة ولم يكن إلا القليل وورد عليه البريد بعزله عن إمرة مصر وولي مصر عوضه حميد بن قحطبة وذلك في أوائل سنة ثلاث وأربعين ومائة‏.‏

وخرج محمد بن الأشعث بعد عزله عن مصر وتوجه إلى الخليفة المنصور فأكرمه أبو جعفر المنصور وجعله من أكابر أمرائه‏.‏

ودام عنده حتى وجهه المنصور مع ابنه محمد المهدي إلى غزو الروم فتوجه محمد بن الأشعث مع المهدي هو والحسن بن قحطبة فمرض ابن الأشعث في أثناء الطريق ومات فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وشهرًا واحدًا‏.‏

وكان عنده نباهةُ وشجاعة ومعرفة وهو أحد أكابر أمراء بني العباس وقد تقدم ذكره في عدة وقائع منها واقعة جهور بن مرار العجلي‏.‏

وأمره أنه خلع الخليفة المنصور بالري‏.‏

وكان سبب ذلك أن جهورًا لما هزم سنباذ حوى ما كان في عسكره وكان فيه خزائن أبي مسلم الخراساني فلم يوجهها إلى المنصور ثم خاف من المنصور فخلعه من الخلافة فوجه إليه أبو جعفر المنصور محمد بن الأشعث هذا في جيش عظيم‏.‏

فسار محمد هذا إلى نحو الري ففارقها جهور وسار نحو أصبهان ودخل محمد الري وملك جهور أصبهان فأرسل إليه محمد عسكرًا وبقي هو بالري‏.‏

فأشار على جهور بعض أصحابه أن يسير في نخبة من عسكره إلى جهة محمد بن الأشعث فإنه في قلة فإن ظفر به فلم يكن لمن بعده بقية فسار جهور إليه مجدًا‏.‏

وبلغ محمدًا خبره فحذر واحتاط وأتاه عسكر من خراسان فقوي بهم فالتقوا بقصر الفيروزان بين الري وأصبهان فاقتتلوا قتالًا عظيمًا ومع جهور نخبة فرسان العجم فهزم جهور وقتل من أصحابه خلق كثير‏.‏

فهرب جهور ولحق بأذربيجان ثم قتل بعد ذلك بأسبار قتله أصحابه وحملوا رأسه إلى أبي جعفر المنصورة ولمحمد هذا عدة مواقف وأمور يطول شرحها‏.‏

السنة التي حكم فيها محمد بن الأشعث على مصر وهي سنة اثنتين وأربعين ومائة‏.‏

فيها خرج عيينة بن موسى متولي السند عن الطاعة فخرج الخليفة أبو جعفر المنصور إلى البصرة وجهز عمرو بن حفص العتكي على السند لمحاربة ابن موسى المذكور فسار وغلب على الهند والسند‏.‏

وفيها نقض إصبهبذ طبرستان وقتل من بها من المسلمين‏.‏

فانتدب لحربه خازم بن خزيمة وروح بن حاتم وأبو الخصيب مرزوق مولى المنصور فحاصروه حتى ظفروا بالمدينة وقتلوا وسبوا فلما رأى إصبهبذ ذلك مص سمًا كان في خاتمه فهلك وكان من جملة السبي شكلة أم إبراهيم ابن المهدي الآتي ذكرها وذكره في الحوا دث‏.‏

وفيها توفي حميد بن أبي حميد الطويل‏:‏ كان ثقة كثير الحديث‏.‏

أسند عن أنس وغيره وروى عنه الإمام مالك وغيره‏.‏

وذكر الذهبي وفاة جماعة في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أسلم المنقري وحبيب بن أبي عمرة القضاب والحسن بن عبيد الله والحسن بن عمرو الفقيمي وأبو هانىء حميد بن هانىء الخولاني المصري وحميد الطويل في قول وخالد الحذاء وسعد بن إسحاق بن كعب في قول والأمير سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس وعاصم بن سليمان الأحول وعمرو بن عبيد المعتزلي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وإصبع واحد‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وثلاثة عشر إصبعًا‏.‏

ولاية حميد بن قحطبة على مصر هو حميد بن قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان الطائي أمير مصر‏.‏

وليها من قبل الخليفة أبي جعفر المنصور بعد عزل محمد بن الأشعث في أوائل سنة ثلاث وأربعين ومائة‏.‏

جمع له أبو جعفر المنصور صلاة مصر وخراجها معًا فدخل إلى مصر في عشرين ألفًا من الجند يوم الجمعة لخمسٍ خلون من شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين ومائة فجعل على الشرطة محمد بن معاوية بن بحير وقبل أن تطول مدته بمصر ورد عليه عسكر آخر من قبل الخليفة لغزو إفريقية وكان قدوم العسكر المذكور إلى مصر في شوال من السنة فجهز حميد العساكر وجعل عليهم أبا الأحوص العبدي وكان العسكر ستة آلاف فارس‏.‏

فتوجه أبو الأحوص بمن معه من العساكر حتى التقى مع أبي الخطاب الأنماطي ببرقة فتقاتلا فانهزم أبو الأحوص بمن معه إلى جهة الديار المصرية‏.‏

فخرج حميد بن قحطبة بنفسه حتى وصل إلى برقة والتقى مع أبي الخطاب المذكور فقاتله حتى هزمه وقتل أبا الخطاب المذكور وجماعة من أصحابه ثم عاد إلى مصر منصورًا فأقام بها إلى أن قدم إلى مصر علي بن محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن داعيةً لأبيه فدس إليه حميد هذا فتغيب فكتب ذلك لأبي جعفر المنصور فغضب وصرفه عن إمرة مصر في ذي القعدة بيزيد بن حاتم‏.‏

فخرج حميد بن قحطبة من مصر لثمان بقين من في القعدة سنة أربع وأربعين ومائة وكانت ولايته على مصر سنة واحدة وشهرين إلا أيامًا‏.‏

ولما خرج حميد بن قحطبة المذكور من مصر توجه إلى الخليفة أبي جعفر المنصور فأكرمه الخليفة وجعله من جملة أمرائه‏.‏

ووجهه بعد ذلك لغزو إرمينية في سنة ثمان وأربعين ومائة فسار ثم عاد ولم يلق حربًا ثم أرسله الخليفة أبو جعفر المنصور أيضًا في سنة اثنتين وخمسين ومائة لغزو كابل ثم ولاه بعد ذلك إقليم خراسان مدة ثم نقله إلى عمل خراسان فأقام بها مدة طويلة إلى أن مات في خلافة المهدي سنة تسع وخمسين ومائة‏.‏

وكان أميرًا شجاعًا مقدامًا عارفًا بأمور الحروب والوقائع وتنقل في الأعمال الجليلة معظمًا عند بني العباس وقد تقدم ذكر ما حضره حميد هذا مع أبيه قحطبة من الوقائع في ابتداء دعوة بني العباس ثم قام هو وأخوه الحسن بن قحطبة في دعوتهم وقاتلوا جيوش مروان بن محمد إلى أن هزموه وتم أمر بني العباس فعرفوا لحميد ذلك وولوه الأعمال الجليلة إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره‏.‏

السنة الأولى من ولاية حميد بن قحطبة على مصر وهي سنة ثلاث وأربعين ومائة‏.‏

فيها بلغ المنصور أن الديلم قد أوقعوا بالمسلمين وقتلوا منهم خلائق فندب أبو جعفر المنصور الناس للجهاد‏.‏

وفيها عزل المنصور الهيثم بن معاوية عن إمرة مكة بالسري ابن عبد الله بن الحارث بن العباس العباسي‏.‏

وفيها حج بالناس عيسى بن موسى بن محمد بن علي الهاشمي العباسي أمير الكوفة‏.‏

قال الذهبي‏:‏ وفي هذا العصر شرع علماء الإسلام في تموين الحديث والفقه والتفسير وصنف ابن جريج التصانيف بمكة وصنف سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة وصنف أبو حنيفة الفقه والرأي بالكوفة وصنف الأوزاعي بالشأم وصنف مالك الموطأ بالمدينة وصنف ابن إسحاق المغازي وصنف معمر باليمن وصنف سفيان الثوري كتاب الجامع ثم بعد يسير صنف هشام كتبه وصنف الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة ثم ابن المبارك والقاضي أبو يوسف يعقوب وابن وهب وكثر تبويب العلم وتدوينه ورتبت ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس وقبل هذا العصر كان سائر العلماء يتكلمون عن حفظهم ويروون العلم عن صحف صحيحة غير مرتبة فسهل ولله الحمد تناول العلم فأخذ الحفظ يتناقص فلله الأمر كله‏.‏

انتهى كلام الذهبي‏.‏

وفيها توفي سليمان بن ترجان أبو القاسم تتيمي من الطبقة الرابعة من تابعي أهل البصرة كان من العباد المجتهدين وكان يصلي الغداة بوضوء العشاء سنين عديدة‏.‏

وفيها توفي يحيى بن سعيد أبو سعيد الأنصاري القاضي الفقيه من الطبقة الخامسة من أهل المدينة‏.‏

قدم على الخليفة أبي جعفر المنصور بالكوفة فاستقضاه على الهاشمية‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وثلاثة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا السنة الثانية من ولاية حميد بن قحطبة على مصر وهي سنة أربع وأربعين ومائة‏.‏

فيها غزا محمد بن أبي العباسى السفاح الديلم بجيش الكوفة والبصرة وواسط والجزيرة‏.‏

وفيها قدم محمد المهدي ابن الخليفة على أبيه أبي جعفر المنصور من خراسان وقد بنى بابنة عمه ريطة بنت السفاح‏.‏

وفيها حج بالناس الخليفة أبو جعفر المنصور وخلف على العسكر خازم بن خزيمة فاستعمل على المدينة رياح بن عثمان المزني وعزل محمدًا القسري‏.‏

وكان المنصور قد أهمه شأن محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب لتخلفهما عن الحضور إلى عنده مع الأشراف وما كفاه ذلك - حتى قيل له‏:‏ إن محمد بن عبد الله المذكور ذكر أن المنصور لما حج قبل أن يلي الخلافة في حياة أخيه السفاح وكان ممن بايع له ليلة اشتور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطرب ملك بني أمية‏.‏

قلت‏:‏ لعل ذلك كان قبل أن يلي السفاح الخلافة وقبل قتل مروان الحمار‏.‏

وكان أبو جعفر المنصور سأل زيادًا متولي المدينة عنهما قبل ذلك فقال‏:‏ ما يهمك من أمرهما يا أمير المؤمنين أنا آتيك بهما‏.‏

فضمنه إياهما في سنة ست وثلاثين ومائة ولم يف زياد بالضمانة وصار المنصور في أمر عظيم من جهة عبد الله وابنيه وطال عليه الأمر وعبد الله وولداه في اختفائهم حتى قبض المنصور على عبد الله المذكور وحبسه وحبس معه جماعةً كثيرة من بني حسن وهم حسن وإبراهيم ابنا حسن بن الحسن وحسن بن جعفر بن حسن بن الحسن وسليمان وعبد الله ابنا داود بن حسن بن الحسن وسهيل وإسحاق ابنا إبراهيم المذكور وعيسى بن حسن بن الحسن وأخوه علي القائم فقيد المنصور الجميع وحبسهم وجهر على المنبر بسب محمد بن عبد الله وأخيه فسبح الناس وعظموا ما قال فقال رياح‏:‏ ألصق الله بوجوهكم الهوان لأكتبن إلى خليفتكم غشكم وقلة نصحكم فقالوا‏:‏ انسمع منك يا بن المحدوة وبادروه يرمونه بالحصى فنزل واقتحم دار مروان وأغلق الباب فخف بها الناس فرموه وشتموه ثم إنهم كفوا ثم إن آل حسن حملوا في أقيادهم إلى العراق‏.‏

وفيها توفي صالح بن كيسان أبو محمد من الطبقة الرابعة من أهل المدينة‏.‏

كان يؤذب ولد عمر بن عبد العزيز بن مروان وأولاد الوليد بن عبد الملك ثم ضمه عمر بن عبد العزيز إلى نفسه وكان قد جمع بين الفقه والحديث والدين والمروءة‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن شبرمة الضبي أبو شبرمة‏.‏

من الطبقة الرابعة من أهل الكوفة كان فقيهًا أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وأحد عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا‏.‏

ولاية يزيد بن حاتم على مصر هو يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي الطائي المهلبي أمير مصر ولاه الخليفة أبو جعفر المنصور على الصلاة والخراج معًا بعد عزل حميد بن قحطبة عن إمرة مصر سنة أربع وأربعين و مائة فقدم إلى مصر في يوم الاثنين النصف من ذي القعدة من السنة المذكورة فأقر على شرطته عبد الله بن عبد الرحمن و على الخراج معاوية بن مروان بن موسى بن نصير‏.‏

و كان يزيد جوادًا ممدحًا شجاعًا‏.‏

قال يزيد‏:‏ كنت يومًا واقفًا بباب المنصور أنا ويزيد بن أسيد السلمي إذ فتح باب القصر وخرج خادم لأبي جعفر المنصور فنظر إلينا ثم انصرف فدخل وأخرج رأسه من طاق وقال‏:‏ الطويل لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد سليم والأغر ابن حاتم فلا يحسب التمتام أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم قال له يزيد بن حاتم‏:‏ نعم نعم على رغم أنفك وأنف من بعثك فخرج الخادم وأبلغها الخليفة أبا جعفر فضحك حتى استلقى‏.‏

وهذا الشعر لربيعة بن ثابت الرقي يمدح يزيد هذا‏.‏

وفي أيام يزيد بن حاتم المذكور ظهرت بمصر دعوة بني الحسن بن علي ابن أبي طالب وتكلم بها الناس وبايع كثير منهم لبني الحسن في الباطن وماجت الناس بمصر وكاد أمر بني الحسن أن يتم والبيعة كانت باسم علي بن محمد بن عبد الله وبينما الناس في ذلك قدم البريد برأس إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب في ذي الحجة سنة خمس وأربعين ومائة فنصب في المسجد أيامًا‏.‏

وكان يزيد هذا قد منع أهل مصر من الحج بسبب خروج هؤلاء العلويين فلما قتل إبراهيم أذن لهم في الحج‏.‏

وكان يزيد مقصدًا للناس محبًا للشعر وأهله مدحه عدة من الشعراء‏.‏

قيل‏:‏ إن ربيعة المقدم ذكره صاحب البيتين المقدم ذكرهما قصده فاشتغل عنه يزيد فخرج وهو يقول‏:‏ الطويل أراني ولا كفران لله راجعًا بخفي حنين من نوال ابن حاتم فبلغ يزيد فرده وملأ خفيه ذهبًا فقال فيه قصيدته المشهورة لما عزل عن إمرة مصر التي أولها‏:‏ الطويل ثم ورد عليه كتاب الخليفة المنصور يأمره بالتحول من العسكر إلى الفسطاط كما كانت عادة أمراء مصر قبل بناء العسكر وأن يجعل الدواوين في كنائس القصر - يعني قصر الشمع - وذلك في سنة ست وأربعين ومائة‏.‏

وقصد يزيد بن حاتم من الشعراء محمد بن عبد الله بن مسلم ومدحه بقصيدة طنانة أولها‏:‏ الكامل وإذا تباع كريمة أو تشترى فسواك بائعها وأنت المشتري وكان يزيد منع الناس من الحج في سنة خمس وأربعين ومائة كما تقدم ذكره فلم يحج في تلك السنة أحذ من مصر ولا من الشام لما كان بالحجاز من الاضطراب من أمر بني الحسن ثم حج يزيد هذا في سنة سبع وأربعين ومائة فاستخلف على مصر عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج صاحب شرطته ولما عاد من الحج بعث جيشًا لغزو الحبشة من أجل خارجي ظهر هناك فتوجه إليه الجيش وقاتلوه وظفروا به وقدم رأس الخارجي المذكور إلى مصر في عدة رؤوس فنصبت الرؤوس أيامًا بمصر ثم حملوها إلى بغداد فضم الخليفة أبو جعفر المنصور عند ذلك ليزيد هذا برقة زيادة على عمل مصر وهو أول من ضم له برقة على مصر وكان ذلك في سنة تسع وأربعين ومائة‏.‏

ثم خرج في أيام يزيد القبط بسخا بالوجه البحري فجهز إليهم يزيد جيشًا كثيفًا فقاتله القبط وكسروه فرد الجيش منهزمًا فصرفه أبو جعفر المنصور عن إمرة مصر في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين ومائة فكانت ولايته على مصر سبع سنين وأربعة أشهر‏.‏

وتولى من بعده مصر عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج ثم ولي يزيد بن حاتم هذا بعد ذلك إفريقية من بلاد المغرب فتوجه إليها وغزا بها عدة غزوات ولا زال بها حتى توفي سنة سبعين ومائة واستخلف على إفريقية ابنه داود بن يزيد فأقره الخليفة هارون الرشيد على ذلك ودام إلى أن عزله في سنة اثنتين وسبعين ومائة بعمه روح بن حاتم‏.‏